المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر, ٢٠١٧

قلبٌ للبيع

صورة
     على أول الطريق الواصل إلى السوق رميتُ أول خطواتي حاملاً سلة صغيرة من الخوص مغطاة بمنديلٍ أبيض، تنبض بخفة كبندول الساعة فيتهز ذراعي ويرتعش طرف كُم جلبابي الأسود. مشيت في المنتصف بين عربات الخضر والفاكهة المصطفة على الجانبين. اصطدم ببعض المارة من الرجال والنساء حاملي الأكياس فلا يلتفت أحدهم. وأطفال يلقون عليّ الحجارة ويهربون فلا أمسك بهم ولا ثمة وقور ينهرهم، فأرفع عن سلتي المنديل وأطمئن علامَ تحتويه عساه بخير ولم يمسّه مكروه. أحاول لفت أنظار المارة بما تحويه سلّتي علّني أجد مهتماً، وقفتُ وسط السوق وناديتُ بصوتٍ عالٍ : "قلب للبيع!" أحاطت بي نظرات الاستهزاء دون أن يستوقف أحدَهم قلبي! كررتُ النداء فلم أجد مجيبًا، فعلمتُ أنني لن أجد لقلبي صاحبًا جديدًا. سألني عابر سبيل مستنكرًا: ألم تجد سوى هذا السوق لبيعتِك؟! قالها وفارقني. بل تبغضني الحياة هاهنا بقلبي هذا.. تهتُ بين ضواحي المدينة الجاحد أهلها بعد أن نزحتُ من بلاد الياسمين البعيدة التي هجرها كلُ ساكنيها فاستحال فيها الأخضر إلى قفارٍ تحجرت وتشققت من العطش، وقصدتُ أولَ مدينة عامرة، فصعبت عليّ الحياة بينهم فسلك

قلبٌ ورصاصة

صورة
قلبٌ ورصاصة قصة قصيرة من كتابي   لستُ نبيًا      النار تضرب الساحة ، والأرض أصابتها من الدماء شهوة ، تعلو ألسنة اللهب متراقصة على صراخ الجرحى، تعانق أدخنتها عزرائيل السماوات. القتلى بين الدبابات كأكوام الحطب المرصوص، والموت حطّاب يتعاطى الرعب من عيون فرائسه، يركض خلفه الأحياء، إما بلطته أو النصر. اختلطت رائحة البارود بزفير المنايا المكتوم داخل صدور من هم بين الموت والحياة ، نفوس عالقة على طرف الأنوف تخطف عيونهم من الدنيا آخر مشاهدها الدامية. لم أتمالك بندقيتي عندما صفع الرصاص صدر صديقي، فحملتها عن شمالي وأخذته بين ذراعيّ وتحركتُ أجر ساقيّ بعجالة قاصداً أقرب مخيم للتداوي. تركته لدى الأطباء بعد أن تشبعت سترتي بدماءه ثم هممتُ بالعودة حيث ثكناتي.      "الحرب .. الحرب" ركضتُ لاهثاً للحاق بصفوف من تبقى من الرفاق، وصور الحرب تسيطر على مخيلتي، لم يستوقفها سوى طيفٌ مترنحٌ لمحته. اقترب أكثر فبدت لي سترة عدو أعزل، يتمايل كمن اجترع من الدماء حد الثمالة. فشهرتُ بندقيتي، ألّا مفر لك سوى بارودها. جثا على ركبتيه وأسند يداه إلى الأرض في إعياء شديد، وقال لي منكساً رأسه :

الذكريات والذاكرة

صورة
أجسادُنا مرتبطة بأماكن قد لا تنتمي أرواحنا إليها. فنحن موجودون بأعمال العقل، إذ يبصرنا الناس نتحرك في نفس المدارات التي يتحركون فيها، يرون مظهرنا، ملابسنا، ملامحنا المادية، جدّنا وهزلنا، ضحكاتنا وعبوسنا، والعيون لا تدرك أبعد من ذلك. أما للنفس قدسية لا تُخترَق بالأنظار. قد نحاول التعبير عمّا يكمن في أغوارها بالكلمات، وقد يخون التعبير، أو لا نلتقط الحرف المعبر عنها بإحكام، وقد نتعمّد أيضًا ألا نكون على قدر وافر من الصراحة والوضوح لأننا لا نجد من يشبهون أفكارنا وذكرياتنا. قد أعاني معضلة الآخر فيهم، وقد يعاني منها الآخرون في شخصي. فأنا وطنٌ لنفسي، وآخرُ للآخرين. كلما أمضي في الحياة ويزداد إدراكي، يزداد معه الشعور بالغربة والحنين إلى ما كُنتُه في الطفولة وأفتقده. قبل فهم أي شيء، وحين كنا ممتلئين بالطاقة يدفعنا الشغف لاكتشاف العالم. يتغير كل شيء عبر الزمن، أجسامنا، حواسّنا، رغباتنا، نظرتنا للحياة والأشياء، حتى شوارعنا، تغيرت أساميها ومبانيها. أمشي فيها وبالكاد أستحضر ذكرياتي المرتبطة بأماكن تشبهها، وكأنها تأمرني بطمس ذاكرتي والمضي قدمًا لكسب العيش. الأماكن تتن

رسالة المُعلم

صورة
     أ ما الباحثون عن السعادة الرُوحية فهم كحَبّات السكر في مهب رياحٍ صيفية ساخنة، تطير وتتآكل من آفات الحياة التي تنهش أرواحهم وعقولهم المُهاجرة. فلا هي تجيد التمرد، ولا تجد ملاذًا خالِصًا. تنعزل في إحدى زوايا العالم تستجمع شتات السلام وتحيك حبال الوصال مع السماء السابعة. إنهم موتى في نظر الناس ، أحياء في نظر الملائكة. لقد منّت عليّ السماء بالتِيه ضمن هذا السرب  الذي لا يجد ضالته على الأرض ! يكفيك يا عزيزي ما تعلمته مني، وأنا غير واثق تمامًا هل تعلمت مني الحكمة أم الجنون؟ لقد واجهتُ جسدي في المرآة بينما أغض بصيرتي عن روحي. لم أجد لهذه الملامح أي معنى! تسائلتُ عن الحب الذي يدّعيه الأفراد لبعضهم، ماذا يحبون بالضبط؟ هل سيظل يحبني الناس إذا احترق وجهي وتشوهت ملامحي؟ هل سيطيقون النظر إليّ؟ إنهم مولعون بالأجساد فقط يا عزيزي. أنا أريد أن أحرر روحي من هذا الجسد الذي تعاني منه، ولا تحزن من أجلي، فلا يصيب الانسان مكروهٌ إذا مات، بل إذا اهترأت روحه قبل جسده.. إنني أستدعي ملك الموت لينقذها قبل أن تصيبها لوثة من غبار الشهوات. الانتظار نارٌ تكويني وكلما زاد ازددتُ ألمًا

ملك الموت

صورة
أطوفُ بين عوالم الغفلة لألتقط منها جُندًا من جنود الأجساد لمّا يأتيني الأمر ويأتيهم الميعاد، إذ يُفلسون من فرص الحياة فيهمسون "آه لو فرصة أخيرة!" ، وينسون موعدي إذا جاءتهم! ويثقل الحِمل على كاهلي في مواسم الحرب والثورة والمجاعة، حيث تكون الدماءُ شهوة والبقاء غاية صعبة المنال، أحصد جُنودًا بالمئات والآلاف، فألقي بهم في جهنم أو أبسطهم على ريشِ الجنة.      اليومَ تُسدل ترانيم الموت وَحشتها على ظلامِ هذه المدينة، وتتسرب من تحت الأبواب وتتغلغل عبر النوافذ إلى داخل البيوت المحمومة بالوباء، حتى تصل إلى فراش طفلٍ ربما أقصى ما يفزعه ظلامُ ليلته وشخير مربيّته. لم أتوقع أن طفلًا بالكاد يُدرك الأشياء، يكاد يراني في خيالات ظلام غرفته ليلاً، أو يسمعني في نُباحِ الكلاب الضالة التي تحوم حول منزله مع خَوادِمي لاقتراب موعدٍ قد نبّأني به القدر. كل معرفته بي أن والديه أخبراه ذات تأبين، أن جده قد سافر بعيدًا ، لا أكثر ! كان يتدثر مُنكمشًا أسفل غطاءه إلا من عينيه ، يلمع بياضها البارز بفزع، يُحدق في اللاشيء ! أستدعي ملائكة الرحمة لتربت على الغطاء المُهتز فوق الطفل المرتعد، و

ظل الرصاص

صورة
     يسقط الرجل أرضاً من فرط أعباءه، يحتال جسده على العشب فيدهسه ممدداً فوقه. تتغلغل في نتوءات وجهه آشعة الشمس، تحتضنه وتحتضن فأسه المستلقي بجواره. عيناه زائغتان في بحر الأفق الفسيح تكاد تلتقط طيراً يخترق صفوه محلقاً من الشرق إلى الغرب، فتتحرك حدقتاه معه، ويئن صدره ويطرد الآهات المكتومة حلقُه في زفيرٍ ساخن يفضح قلبه المحترق. واأسفاه عليكِ يا زهرتي الوحيدة! ما كنتُ أملك في حياتي سواكِ وقوتَ يومٍ بيوم. اقتلعوكِ باكراً قبل موسمك وتقاسموا عطرَكِ سلباً ونهباً ثم دهسوكِ لما سأموا. يهمس صوتٌ رفيعٌ : لي نصلٌ حاد.. ويحرك الرجل ذراعيه حركاتٍ دائرية مشيراً بإصبعه على المدى. هنا يمر فوقي كوبري،  وهناك تلوح أسقفُ البيوت المهيبة تعانق السماء، شامخةً بالنهار موحشةً بالليل كالأشباح التي لا تعرف الرحمة ! وهنا يرقد المسكين! يعلو الهمس ويرن : لي نصلٌ حاد.. المسكين الذي تبغضه الأرضُ، وربما تلفظه حين يُرَدُ إليها صريعاً !  يحمل ثوباً مهترئاً و فأساً مثقلاً بسنوات الحرث والزرع. أتقول أن لك نصلاً حاداً لم تثلمه السنون؟ بم تحادثُني يا فأساً قد ماتت على نصله الأماني؟  وقد أبرمتَ معي عقدَ

كومبارس

صورة
جلسنا نحن الكومبارس فوق الرفوف المغبرة نتأمل كيف تراجعت أدوارنا من الأولوية حتى أواخر القائمة. كنا ننتظر بتقاعس يدًا تضطر لأخذنا إلى صفوف البطولة كاختيار أخير، ولكني لم أحتمل.. وقفتُ عند طرف الرف وحملقتُ غاضبًا في سنون اليأس المدببة في الأعماق، ثم قفزتُ وانفجر الدم فشرب منه المختارون في استراحتهم القصيرة! هدير زهدي

الجاسوس

صورة
لا يزال آمنًا في بيته، والقتل يزداد يشد على أياديهم بحمية القادة، يؤازرهم في قتلاهم ويتلو الوعود يبكي لأنه مُقصر فيحملونه على الأعناق ليقاوم جزعه والقتل يزداد، ولا يزال آمنًا في بيته فقد جمع من الحب والثقة ما يكفي ليزيح عنه الشكوك مؤمنًا بما تعلّمه في الماضي السحيق، على الجاسوس أن يكون لطيفًا. هدير زهدي
صورة
"الثورات الهائلة التي أجرت الدماء كالسواقي وجعلت الحرية تُعبد كالآلهة، كانت فكرًا خياليًا مرتعشًا بين تلافيف دماغ رجل فرد عائش بين ألوف من الرجال. والحروب الموجعة التي ثلَّت العروش وخربت الممالك كانت خاطِرًا يتمايل في رأس رجل واحد. والتعاليم السامية التي غيّرت مسير الحياة البشرية كانت ميلًا شعريًا في نفس رجل واحد منفصل بنبوغه عن محيطه. فكرٌ واحد أقام الأهرام، وعاطفة واحدة خربت طروادة، وخاطر واحد أوجد مجد الإسلام، وكلمة واحدة أحرقت مكتبة الأسكندرية." الأجنحة المتكسرة - جبران خليل جبران
صورة
"لكل منا دينه الخاص، نأخذ من الأديان ما نؤمن به، ونتجاهل ما لا تدركه عقولنا، أو نتظاهر بالإيمان، ونمارس طقوسًا لا نفهمها، خوفًا من خسارة شيء نحاول أن نؤمن به." "وحده الصمت قادر على تحفيز أصوات بداخلنا، تبدو لأناس آخرين نطمئن لهم، يرشدوننا إلى أماكن غير مألوفة، نحث إليها الخطى مطمئنين." "ليتنا نتمكن من استعادة أيامنا التي مضت مع من فرقتنا عنهم السبل، لنحياها مع غيرهم. لكن لا أحد يمكنه أن يأخذ مكان الآخر." ساق البامبو - سعود السنعوسي

إلى مملكة السحاب

صورة
     رغم أن الذهب أغلى، أعشقُ الفضة. البساطة تغريني أكثر، ندرة الأشياء تجعلني أحارب من أجلها. الافراط في الأشياء يُفقدها معناها. الحب يقتله الكلام، الصداقة يهدرها القرب المفرط، الإنسانية تفنيها الآلات. نحن أكثر هيبة إذا كنا أكثر صمتًا، نبدو أجمل إذا كنا أكثر بُعدًا، أكثر شغفًا إذا قلّت في أيادينا مقادير الأشياء. وسر الحياة في الشغف. أما على أراضينا فقد اختفى الشغف خلف ضوضاء الصراع البشري، خلف الدم المسفوك هنا وهناك على مرمى الخريطة. اليأس ضرب جذوره في قلوب العبيد وتوغل وانتزع أي أمل للسلام، جعل أقصى أمنياتهم أن يعيشوا حياة عادية لا أكثر، أن يناموا على صوت أبواق السيارات لا دوي الانفجارات، وأن يصبحوا على شقاء لقمة العيش لا فواجع أخبار الوفيات. الفتيات كنّ تحلمنّ بالزواج والأمومة، ببيتٍ هادئ وأولاد. وأمام أطلال البيوت المهدمة انقلب الحلم كابوسًا. الأعياد صارت مواسم قتل، في قلب الكنائس والمساجد تلطخ لبس العيد بالدم. والناس في بلدتي صامدون ملتحفون بالعناد والاصرار، لا يمتنعون عن الصلاة. يخرجون إليها ويعلمون أنها ربما تكون الأخيرة. في بلدتي يفشل الملوك في جذب أوتار السل