إلى مملكة السحاب
رغم أن
الذهب أغلى، أعشقُ الفضة.
البساطة تغريني أكثر، ندرة الأشياء تجعلني أحارب من
أجلها. الافراط في الأشياء يُفقدها معناها. الحب يقتله الكلام، الصداقة يهدرها
القرب المفرط، الإنسانية تفنيها الآلات. نحن أكثر هيبة إذا كنا أكثر صمتًا، نبدو
أجمل إذا كنا أكثر بُعدًا، أكثر شغفًا إذا قلّت في أيادينا مقادير الأشياء. وسر
الحياة في الشغف.
أما على أراضينا فقد اختفى الشغف خلف ضوضاء الصراع
البشري، خلف الدم المسفوك هنا وهناك على مرمى الخريطة. اليأس ضرب جذوره في قلوب
العبيد وتوغل وانتزع أي أمل للسلام، جعل أقصى أمنياتهم أن يعيشوا حياة عادية لا
أكثر، أن يناموا على صوت أبواق السيارات لا دوي الانفجارات، وأن يصبحوا على شقاء
لقمة العيش لا فواجع أخبار الوفيات. الفتيات كنّ تحلمنّ
بالزواج والأمومة، ببيتٍ هادئ وأولاد. وأمام أطلال البيوت المهدمة انقلب الحلم
كابوسًا.
الأعياد صارت مواسم قتل، في قلب الكنائس والمساجد تلطخ لبس
العيد بالدم. والناس في بلدتي صامدون ملتحفون بالعناد والاصرار، لا يمتنعون عن الصلاة.
يخرجون إليها ويعلمون أنها ربما تكون الأخيرة.
في بلدتي يفشل الملوك في جذب أوتار السلام، لا يتقنون إلا
فنون الكلام والعزف على القلوب بسحر الألفاظ. فيربت الناس على أوجعاهم بالكلمات
لتمضي الحياة.
ضاقت بنا الأرض ومن عليها، تصدّعت قلوبنا بجراحٍ لا تندمل،
الدم لا يُحقَن والألم لا يُحتمل. مكابدة الخوف أكثر رعبًا من وقوع الكارثة. صرنا
نتعجل أدوارنا في كشف عزرائيل أملًا في الخلاص من عذاب الانتظار. تركنا بيوتنا
واحتشدنا لنشق طريق هجرة جماعية. استوقفنا الشتاء في بقاعٍ عدة. أمطار، أعاصير،
برق ورعد، وأطفالنا يدفنون أنفسهم في لحمنا البارد. امتزجت دموع العجائز بالمطر.
مات أصحاب الأجساد الهزيلة متجمدين، أجساد ملتوية، محشوة بأطفال نائمة!
نتقاسم الموت على طريق الشرود تحت وطأة السيول، فهل نحوّل
مسار السرب إلى السماء؟
أتأمل الأفق الغاضب فأجده رحبًا مترامي الأطراف لا أعرف له
بداية أو نهاية. يقولون إن الجنة على بُعد خطوتين من الجحيم، فهل تختبئ السكينة
خلف هزيم الرعد؟ هل تنتظرنا الجنة بعد هلاك التشرد؟
كنا نصلي لترضى عنا السماء، وكان فينا القاتل، السارق،
الزاني والمتاجرون بالبشر.. ولكن كنا نصلي!
رغم أنف الحرب..كنا نصلي!
إليكِ أيتها السماء الغاضبة، تقبلي صلواتي ورسائلي، وابنِ
بيننا وبينك جسرًا نعبر إليكِ من خلاله في سلام.
المشرَدّة
تعليقات
إرسال تعليق