المشاركات

الباب المفتوح

صورة
     تفر البنايات من خلف نافذة العربة وتهرول إلى العَدَم. تستلقي رأسي على الوسادة وسط ضوضاء مغلف بالهدوء. تتسابق الأفكار والذكريات على المرور أمام عيني فيتغير شعوري بين ذكرى وأخرى. يبكي قلبي لقسوة زوجي السابق ثم يضحك لضحكة رضيعي، وبينهما أتأرجح بين الجحود والرحمة. لم أستطع ترك الأفكار مع رضيعي ومُربيته في البيت ويبدو أنها التصقت بي أينما ذهبت، والسكون على بالي مُحرّم. رأيتُ في زيارة قبر أمي فكرة جيدة، حيث اعتزال الحياة والناس بظنونهم وثرثرتهم. فالمدافن قطعة من السماء. يرقدون في هدوء مطبق فلا يبلغ الأحياء صراخ مُعذّب أو نعيم مُنعَم. نزلتُ مع أختي يدًا بيدٍ من العربة أمام بوابة مدافن العائلة، وعند العتبة استوقفتني الحياة ! سألتني: هل أنتِ حيّة أم ميّتة؟ شهقتُ وأجبتُ بلا تفكير : حية ! تبعتُ أختي التي كانت تحفظ المكان جيدًا. كان خاويًا إلا من شواهد القبور، صامتًا إلا من صفير الهواء. وقفنا أمام قبر بلا شاهد. صفّقت أختي بيديها وانتظرنا. تأملتُ كآبة المكان وسمعتُ صراخًا بعيدًا ممزوجًا ببكاء رضيعي فعادت نفسي إليه واشتاق صدري لضمته، ورأيتُ يومًا كان يجمعني به وأبيه ثم يومً

لستُ نبيًا - مُقتطَف

صورة
لستُ نبيًا لست نبيا - سوق جوميا

الباب المُغلَق

صورة
  الباب المغلق قصة قصيرة من كتابي   لستُ نبيًا هل عليّ أن أخبركم بالسر الذي يكتمه صدري خلف الجلباب؟ لا والله! لقد حفظتُ العهد حتى لا يتسخ بألسنة البشر. الذنبُ ذنبُكم ، فما وجدتُ فيكم حافظًا لحُرمة الأسرار ولا مُدركًا لطِيب النوايا. فتصطنعون ملامح المحبة بينما تصرخ بواطنكم باللعن والسُباب! أعرف قصة كل واحدٍ منكم رغم امساكي عن محادثتكم، ولكن شذرات النميمة تخترق الجدران والنوافذ وإن كانت مغلقة. ما لكم تصنعون مُخبرًا ليراقب شيخًا يقل عُمره عن عُمر هذه البناية العتيقة بسنواتٍ معدودة، ويتأذى من روائحكم وصوت خطواتكم ونباح ضحكاتكم. ألهذا الحد تُزعجكم العزلة كما يُزعجكم الضجيج؟ أم أن عيونكم المتطفلة لا تتمالك نفسها من الفضول على باب شقتي البائسة صعودًا وهبوطًا من الدَرَج؟  تكاد تخترق الخشب لتفتك سَتر العجوز الذي لا يتسرب من بابه صوتٌ، ولا يغادره إلا لشراء كسرات الخبز. لِمَ تغتابون رجلًا بالتُهم وكأنه يحتال عليكم بِصَمتِه؟! شحاذ؟ مخبول؟ هارب؟ وفي النهاية لص! إذ يصرخ أحدُكُم ذات ليلة ويرثي أمواله وذَهَب امرأته، فتجمعون شكوكم أمام بابي وتدسّونها دسًّا لتتسلل عبر ثقوبه

الحجر

صورة
            يقف صبيٌ منتصبًا أعلى حجر كبير مربوط بحبل مجدول في سور جسر يصل بين يابسين، يرقد النهر أسفله وبالكاد يتموّج لأنسام المساء الصيفي . تبدو البنايات على الجانبين حول برج القاهرة شاهقة تعانق السماء، ومصابيحها الملونة تراقب الصبي الذي يعتلي سور الجسر ويهتز مع هزاته عندما تتزاحم العجلات على طوله وتتثاقل كوحوش تنقض على الأسفلت فتأكله ركضًا وتخلفه ميتًا. يلمع القمر في عينيه اللتين تغوصان في نهر آخر من الحزن المكتوم وكأن زمن عمره القصير يحيك أسفل عينيه همًّا فوق هم فتراكم السواد، ويداعب الهواء شعره فيتطاير مع أطراف ملابسة الرثة. يجول الأسى بين ملامحه فيفشي أسرار تشرده وشقاءه. تنكمش أصابع قدميه تَشبُثًا بالحجر ويشهر بين كفيه لافتةً قد نُقشت عليها كلمة واحدة . يرمقه المارة بنظرات الدهشة ، تنهشه استياءً واستنكارًا كأنهم يراقبون بقايا بشري مسته ضروبٌ من الجنون ! " انزل يا ولد ستسقط " يقولها أحد السائقين ثم تسرع مركبته في طريقها تدهس الأسفلت فتصدر صريرًا عاليًا يختلط بإيقاع موسيقى صاخبة وأغان شعبية تنبعث من باخرة شقت النيل في نزهةٍ مزعجة. تلونت المياه حولها بألوان أ

الطريق

صورة
قد يضيع العمر كله في اكتشاف الطريق حتى يتقاطع في مفترقٍ ما مع عدة ممرات أيهم ستختار؟ كم عام يلزمك للإجابة والقرار ! وقد يكون مُظلمًا في سرداب تحت  الأنقاض، وتكون مُصابًا بفوبيا العتمة! وقد تضله فتسأل المارة، فيصفون لك سبيلاً يقودك لبئرٍ جاف عميق مُظلم، تمكث فيه ليل نهار بلا تمييز بينهما، مُنشغلًا عن الخروج منه بطوفان الاسئلة، لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ هدير زهدي

قلبٌ للبيع

صورة
     على أول الطريق الواصل إلى السوق رميتُ أول خطواتي حاملاً سلة صغيرة من الخوص مغطاة بمنديلٍ أبيض، تنبض بخفة كبندول الساعة فيتهز ذراعي ويرتعش طرف كُم جلبابي الأسود. مشيت في المنتصف بين عربات الخضر والفاكهة المصطفة على الجانبين. اصطدم ببعض المارة من الرجال والنساء حاملي الأكياس فلا يلتفت أحدهم. وأطفال يلقون عليّ الحجارة ويهربون فلا أمسك بهم ولا ثمة وقور ينهرهم، فأرفع عن سلتي المنديل وأطمئن علامَ تحتويه عساه بخير ولم يمسّه مكروه. أحاول لفت أنظار المارة بما تحويه سلّتي علّني أجد مهتماً، وقفتُ وسط السوق وناديتُ بصوتٍ عالٍ : "قلب للبيع!" أحاطت بي نظرات الاستهزاء دون أن يستوقف أحدَهم قلبي! كررتُ النداء فلم أجد مجيبًا، فعلمتُ أنني لن أجد لقلبي صاحبًا جديدًا. سألني عابر سبيل مستنكرًا: ألم تجد سوى هذا السوق لبيعتِك؟! قالها وفارقني. بل تبغضني الحياة هاهنا بقلبي هذا.. تهتُ بين ضواحي المدينة الجاحد أهلها بعد أن نزحتُ من بلاد الياسمين البعيدة التي هجرها كلُ ساكنيها فاستحال فيها الأخضر إلى قفارٍ تحجرت وتشققت من العطش، وقصدتُ أولَ مدينة عامرة، فصعبت عليّ الحياة بينهم فسلك

قلبٌ ورصاصة

صورة
قلبٌ ورصاصة قصة قصيرة من كتابي   لستُ نبيًا      النار تضرب الساحة ، والأرض أصابتها من الدماء شهوة ، تعلو ألسنة اللهب متراقصة على صراخ الجرحى، تعانق أدخنتها عزرائيل السماوات. القتلى بين الدبابات كأكوام الحطب المرصوص، والموت حطّاب يتعاطى الرعب من عيون فرائسه، يركض خلفه الأحياء، إما بلطته أو النصر. اختلطت رائحة البارود بزفير المنايا المكتوم داخل صدور من هم بين الموت والحياة ، نفوس عالقة على طرف الأنوف تخطف عيونهم من الدنيا آخر مشاهدها الدامية. لم أتمالك بندقيتي عندما صفع الرصاص صدر صديقي، فحملتها عن شمالي وأخذته بين ذراعيّ وتحركتُ أجر ساقيّ بعجالة قاصداً أقرب مخيم للتداوي. تركته لدى الأطباء بعد أن تشبعت سترتي بدماءه ثم هممتُ بالعودة حيث ثكناتي.      "الحرب .. الحرب" ركضتُ لاهثاً للحاق بصفوف من تبقى من الرفاق، وصور الحرب تسيطر على مخيلتي، لم يستوقفها سوى طيفٌ مترنحٌ لمحته. اقترب أكثر فبدت لي سترة عدو أعزل، يتمايل كمن اجترع من الدماء حد الثمالة. فشهرتُ بندقيتي، ألّا مفر لك سوى بارودها. جثا على ركبتيه وأسند يداه إلى الأرض في إعياء شديد، وقال لي منكساً رأسه :

الذكريات والذاكرة

صورة
أجسادُنا مرتبطة بأماكن قد لا تنتمي أرواحنا إليها. فنحن موجودون بأعمال العقل، إذ يبصرنا الناس نتحرك في نفس المدارات التي يتحركون فيها، يرون مظهرنا، ملابسنا، ملامحنا المادية، جدّنا وهزلنا، ضحكاتنا وعبوسنا، والعيون لا تدرك أبعد من ذلك. أما للنفس قدسية لا تُخترَق بالأنظار. قد نحاول التعبير عمّا يكمن في أغوارها بالكلمات، وقد يخون التعبير، أو لا نلتقط الحرف المعبر عنها بإحكام، وقد نتعمّد أيضًا ألا نكون على قدر وافر من الصراحة والوضوح لأننا لا نجد من يشبهون أفكارنا وذكرياتنا. قد أعاني معضلة الآخر فيهم، وقد يعاني منها الآخرون في شخصي. فأنا وطنٌ لنفسي، وآخرُ للآخرين. كلما أمضي في الحياة ويزداد إدراكي، يزداد معه الشعور بالغربة والحنين إلى ما كُنتُه في الطفولة وأفتقده. قبل فهم أي شيء، وحين كنا ممتلئين بالطاقة يدفعنا الشغف لاكتشاف العالم. يتغير كل شيء عبر الزمن، أجسامنا، حواسّنا، رغباتنا، نظرتنا للحياة والأشياء، حتى شوارعنا، تغيرت أساميها ومبانيها. أمشي فيها وبالكاد أستحضر ذكرياتي المرتبطة بأماكن تشبهها، وكأنها تأمرني بطمس ذاكرتي والمضي قدمًا لكسب العيش. الأماكن تتن